السلط مدينة الحلم والنور
بقلم : محمد صوالحة
يسكنني الفرح .... وتجللني السعادة ... وتعلو جلبة
الزغاريد في مزاريب الروح وهي تطوقني بذراعيها اللتين اشعر بهما اطول من
التاريخ ... احاول النظر لجبينها ... فأجده ابعد من الشمس ... أي شمس هذه ؟، واي قمر هذا ،
يا الللللللللللللللللله الان فقط علمت أي مستقر تجري له الشمس... واي قلب
يبحث عنه القمر ... انهما يجريان إلى قلبها العامر بالحياة .
بمجرد الاقتراب من حماها تشعر بالدفء يسري في عروقك ... الطهر يملأ منك
الاحساس .
اذا هي السلط ، هي التراث الحقيقي لاجداد صنعوا للمجد موطنا ، وبنوا للعزة فوق
هذا التراب مسكنا ، السلط ليست كأي ارض ، وترابها ليس ككل تراب ، السلط همس
العذارى وبوح العاشقين ، السلط كحل لعيون الوطن ، وزغرودة تبعث في النفس العزيمة ،
وفي القلب تشعل نيران الهوى لارض ما رضيت بالظلم ، لارض امتدت في عمق التاريخ إلى ما قبل سدوم وشعيب ويوشع وجادور
، امتدت في قلب الزمن قبل ان يكون حزير ، هي التي هب ابنائها لزراعة الخير في جوف
الارض ، فتفتقت عيون الماء ونفض الزهر عن عينيه الغبار، وسما اللزاب ، وشمخ
الزيتون ، وفاح بعطره اللوز وتألقت الكرمة فصافحت عيون السماء .
ابناء
السلط ، عندما اينعت بذرة النخوة في
القلوب بنوا لها سلالما حتى صعدوا بها إلى
ما فوق حدود العقل ، هي السلط اذا ، السلط ناصرة المظلوم ، وبيت الضيف ، نيرانها
لا تخمد ، وخضرتها باقية بقاء زرقة السماء .
اذا
هي السلط ، التي كانت قبل ان تكون ذاكرة التاريخ ، هي التي منحت الارض شكل
جغرافيتها ، هي التي ابى ابن العذراء الا
ان يُعمد من مياهها وفوق ترابها ، هي التي اختار ارضها نبي الله يحيى مسكنا
وموطنا، فسلام عليها يوم كانت ، وسلام عليها اليوم ،
وسلام عليها يوم نقابل رب الاكوان وقد صُبغنا بلون ترابها وكُفنا بخضرة لزابها
وزيتونها .
هي
السلط ، في ظلال كرمتها كانت الكلمة تبني
مرتفعاتها ، وتصوغ قصائد العشق ، قصائد الوطن ،
وعلى اوراق لوزها تكتب حكايات
الزمن الجميل .
وانا
اسير في شوارع السلط وحواريها ، ابدا لم أشعر بشيء الا الفرح يداعب القلب ، والسعادة تحاول ان
تغوص بي إلى ذلك الزمن البعيد ، ذلك الزمن الذي كنت فيه طيفا والاهل في ربوع السلط يعلمون الدنيا
كيف تكون الحرية ، ويرسمون للكون شكل الشموخ ، ويحددون راية المجد .
في
السلط وحدها يغاث الملهوف ويقرى الضيف ، السلط وما ادراك ما السلط ،السلط بيوتها كبيوت الله لا تغلق ابوابها في وجه من اتاها ، السلط ضيفها امير ان اقبل ، اسير ان جلس ، السلط موئل الانبياء ، حولها وفيها سكن الصالحون
من كل زمان .
السلط ما زالت تحتفظ ببدويتها ،وتتغنى بعشائريتها ، ما زال المهباش عنوانها .
في
السلط حبونا ، ومن ترابها تعلمنا كيف يفدى
الوطن ، وكيف ننسج من شرايينا كوفيته ، ومن نبض القلب نخيط عقال الرجال ، كيف يكون للكبير خصوصية الاحترام والتبجيل ،
وكيف يكون الكبير معلما وابا عطوفا على كل
من يصغره سنا ، كيف يمنحه من تجارب حياته
ما يستطيع من خلاله ان يواجه مستقبله .
السلط ( سالتوس ) والتي تعني ارض التين
والعنب او الوادي المشجر هي هبة الله للناس الطيبين والتي ما زال قلبها ينبض فينا
حبا لعروبتنا وانتماء لديننا ومعتقدنا سواء كنا من امة محمد عليه السلام او من امة
من تكلم في المهد صبيا.
في
السلط ،وعندما اعملت مشرط النظر في جسدها
الاية ، وعبرت إلى القلب منها أخذتني الحيرة إلى عوالم من الدهشة
والانبهار ، وتسألت أي رابط يربط هذه
العوائل التي تعددت منابتها واصولها ،
تعددت مشاربها الثقافية والدينية كما تعددت اشكال الخضرة فيها ،
فالمسيحي اخ للمسلم يشاركه كل افراحه
واحزانه ، هنا ابدا لا فرق بين ابن السلط
و ضيفها .
سحرني هذا القلب الذي تشكلت منه خريطة الاردن السياسية
والاجتماعية .
عند
الاشارة الضوئية اهبط من الحافلة ، والطريق يتفرع إلى اكثر من اتجاه ، أنظر
امامي واذا بصبية تقف كالطود الشامخ ، سرقتني الخطى نحوها أقترب منها ، ينبض القلب بسرعة وهو
يرتعد ، يضطرب فيه النبض ، وغاب مني العقل
وانا أقف امام الروعة ، امام القصيدة التي
كتبها خالق الكلام ، وأسألها يا أخت حزير وابنة يوشع ، من اين الطريق إلى المدرسة الثانوية ؟ تبتسم وهي
ترد على سؤالي : فيكشف البحر عن درره وأغوص في عالم من الاحلام لا يوقظني منه الا صدى
كلامتها عد بضعة امتار للوراء ... ثم اتجه إلى شمالك فالطريق سيوصلك .
أتمنى
لو انها اطالت الوصف لابقى في ملكوت
الجمال سابحا ، ولكني أتبع ارشادها وأسير ، إلى اين يأخذني هذا الدرب ؟ هل يوصلني
إلى السماء ، ؟ انه صعود حاد ، أستوقف احد المارين في الطريق لأسأله عن المدرسة ، يبتسم ويقول : انت تقف على بعد امتار منها .
أدخل بوابتها ...
يأخذني الشوق إلى الزمن الذ ي اسست فيه ، ماذا كانت تعلم ؟، كيف
خرجت رجالات الدولة في كل المجالات ؟، السياسية
الثقافية والفنية .
من
المنشية وتحديدا من مدرستها أعود ادراجي إلى
وسط المدينة ، وانا اقف على ذلك التقاطع ، احتار إلى اين اتجه ، واخيرا اقرر ان اتابع سيري
باتجاه الشمال ، حيث شارع الميدان ، والذي سمي بهذا الاسم لانه كان مكانا للفروسية
وسباقات الخيل ، هذا المعمار التراثي والفريد ياخذني إلى تلك العصور ، وذلك الزمن زمن الرجال
الرجال ، واسأل محافظ المدينة ورئيس بلديتها ومدير سياحتها ما زال تاريخ السلط القديم مجهولا فماذا فعلتم
لتكشفوا عنه النقاب وتنفضوا عن عيون ذلك التاريخ التراب ؟، اتلفت حولي فمن هنا إلى شارع الحمام ، والجدعة
والعيزارية ،البيوت تتلاصق وكأنها في عناق ازلي ، او كاني بها تعيش لحظة التلاقي
بعد زمن من البعد ، ومن هذا الدرج نصعد إلى
السلالم ، اتابع مسيري نحو الشمال فيصادفني وادي الاكراد ، واتابع دربي إلى حيث
هناك ، إلى حيث مثلث زي الاغوار ، وهنا يبدا السحر ، وهنا يفرض عليك الصمت ، هنا
تبدأ تخيل القصيدة التي ستزينها باسم
السلط ، هل يعقل ان تختصر السلط بقصيدة ، هل يمكنني وصفها بكتابة ، وان كان كذلك
عن أي شيء ستكون الكتابة ؟، عن تاريخها ،
ام عن اهلها وعطائهم المستمر ، عن أي المناطق ستكتب ، عن المدينة عاصمة البلقاء ،
ام ستزور الويتها واقضيتها وكل منها تحتاج
للكثير الكثير ، من هنا من هذا المثلث ، تنطلق إلى زي وطباعة العواملة
وجلعاد وام العمد ، وايضا من هنا وعلى
مسافة اقل من كيلوا مترا واحدا تنعطف بك الطريق إلى الرميميين بشلالاتها الرائعة ،
ومن ثم إلى البقعة وعين الباشا ، واذا ما سرت با تجاه الغرب فإنك تتجه عبر طريق
متعرج كثير الانحناءات إلى الصبيحي وميسرة
ومن ثم إلى الاغوار .
أنظر
إلى الغرب فأشاهد خضرة الاغوار وانوار
القدس ، فيأخذني الحنين إلى مسرى رسول
المحبة والانسانية ، وتتقد في الروح نيران
الغضب على اخوة سمعوا معي انين النهر ، ووجع الباذان ، سمعوا معي صرخات جبل النار
، ودموع يذرفها الاقصى وتشاركه القيامة ، سمعوا وصمتوا وتركوني وحدي مع اخي هناك نتقلب على جمر الجرح وابتعدوا
.
تسلم ايدك صوالحه واتمنى ان تكثر مما تنشر عن تاريخك
وما تكتب
سلامى اخى الغالى
سلمت ودمت شاعر اهلنا في الصعيد ... شاعر سمر الوجوه بيض القلوب